قال قوم من أصحاب الرسول(ص):أي حروف الهجاء أدخل في الكلام
؟
فأجمعوا على الألف ....فقال الإمام علي كرم الله وجهه:
((حمدت من عظمت
منته, و سبغت نعمته, و سبقت غضبه رحمته,و تمت كلمته,
و نفذت مشيئته, و بلغت
قضيتهُ ,حَمِدتهُ حَمْدَ مقرٍ بربوبيته,متخضعٍ لعبوديته,متنصلٍ
من خطيئته,متفردٍ
بتوحيده,مؤمل منه مغفرةً تنجيه, يوم يُشغَلُ عن فصيلته و بنيه.
و نستعينُهُ و
نسترشده و نستهديه, و نؤمن به و نتوكل عليه, و شهدت له مخلِصٍ
موقنٍ , و
فرَدتُهُ تفريدَ مؤمن متيقنٍ,ووّحدتُهُ توحيد عبدٍ مذعنٍ,ليس له شريكٌ في ملكه
,
و لم يكن له وليٌ في صنعِهِ, جلَّ عن مشيرٍ و وزيرٍ,و عن عونٍ معينٍ و نصيرٍ و
نظيرٍ.
عَلِمَ فسترَ, و بطنَ فخبرَ, و ملكَ فقهرَ,و عُصيَ فغفرَ ,و حكمَ
فعدلَ,لم يزلْ و لن يزولَ
(ليسَ كمثله شيءٌ),وهوَ بعد كلِّ شيءٍ ربٌ متعززٌ
بعزََّتِه, متمكِّنٌ بقوَّتِهِ , متقدسٌ بعلوِّهِ
متكبِّرٌ بسموِّهِ ,ليس
يدرِكُهُ بصرٌ , ولم يُحِطْ بهِ نظرٌ, قويٌ منيعٌ ,بصيرٌ سميعٌ,رؤوفٌ رحيمٌ
.
عجزَ عن وصفِهِ من يصفهُ ,و ضلَّ عن نَعْتِهِ من يعرفه.
قرُبَ فبعُدَ ,و
بعُدَ فقرُبْ ,يجيب دعوة من يدعوه,و يرزقه و يحبوه, ذو لطفٍ خَفيٍّ,و
بطشٍ قويٍّ
, ورحمةٍ موسَعةٍ ,و عقوبةٍ موجعةٍ,رَحْمَتُهُ جنةٌ عريضةٌ مونقةٌ,و عقوبته جحيمٌ
ممدودةٌ موبقةٌ.
و شهدتُ ببعثِ محمدٍ رسولِهِ , و عبده و صفيِّهِ ,و نبيِّهِ و
نجيِّهِ,و حبيبه و خليلهِ,
بعثه في خير عصرٍ,و حينٍ فترةٍ و كفرٍ, رحمةً
لعبيدهِ, و منَّةً لمزيدهِ , ختم به نبوَّتَهُ ,
و شيَّدَ به حجَّتَهُ ,فوعظَ و
نصح , و بلغ و كدح , رؤوفٌ بكلِّ مؤمنٍ , رحيمٌ سخيٌّ
رضيٌّ وليٌّ زكيٌّ, عليهِ
رحمةٌ و تسليمٌ, وبركةٌ و تكريمٌ, مِنْ ربٍّ غفورٍ رحيمٍ, قريبٍ
مجيبٍ....
وصيّتكُم معشر من حضرني بوصيةٍ ربِّكم, و ذكَّرتكُمْ بسنة نبيكم, فعليكم,
برهبةٍ تسكن قلوبكم, و خشيةٍ
تذري دموعكم , و تقيَّةٍ تنجيكم قبل يوم ِ نبليكم
و تذهلكم , يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته ,و خفَّ وزن سيئته , و لتكن مسألتكم و
تملقُّكم مسألة ذلٍّ و خضوع ٍ,و شكرٍ و خشوع , بتوبةٍ و توَّرع , و ندم ٍ و روجعٍ
و ليغتنم كلُّ مغتنمٍ منكم صحتهُ قبل سقمه, و شبيبته فبل هرمه , و سعته قبل
فقره , و فرغته قبل شغله ,و حضره قبل سفره , قبل تكبُّرٍ و تهرُّم و تسقُّم ,
يملُّهُ طبيبهُ ,و يُعرض عنه حبيبه و ينقطع غمده, و يتغير عقله , ثم قيلَ: هو
موعوكٌ و جسمه منهوكٌ, ثم جُدَّ في نزعٍ شديدٍ, و حضره كلُّ قريبٍ و بعيد
ٍ,فَشَخَصَ بصره ,و طمح نظره ,و رَشَحَ جبينه , وعطف عرينه ,و سَكَنَ حنينه ,
وحزنتهُ نفسه,و بكتهُ عِرسَهُ , و حُفِرَ رمسهُ,
و يُتِّمَ منه ُولَدَهُ, وتفرق
منه عدده, وقُسِمَ جمعهُ, و ذهب َبصرهُ و سمعهُ, و مُدِّدَ و جرِّدَ, وعُرِّيَ و
غُسِلَ, و
نُشِّفَ و سُجِّيَ , وبُسِطَ لهُ و هُيئَ, و نُشِرَ عليه كفنه , و
شُدِّ منه ذقنه, وقُمِّصَ و عُمِّمَ,وودِعَ و سُلِّمَ,وحُمِلَ
فوق سريرٍ, و
صُلِّيَ عليه بتكبيرٍ, و نُقِلَ من دورٍ مزخرفةٍ, وقصورٍ مُشيَّدة وحُجرٍ
منحَّدةٍ,و جُعل في ضريحٍ ملحودٍ
و ضيقٍ مرصودٍ,بلبنٍ منضودٍ,مسقَّفٍ بجلمودٍ,
وهيل عليه حفره,وحُثِيَ عليه مَدَرَهُ,و تحقق حِذْرُهُ , ونُسِيَ خبرهُ
و رجع
عنه وليُّهُ وصفيُّهُ,و نديمهُ ونسيبهُ, وتبدل به قرينه و حبيبُهُ ,فهو حشو قبرٍ,و
رهين قفرٍ,يسعى بجسمه
دودُ قبرهِ, ويسيل صديده من منخرِهِ, و يسحقُ تُرْبُهُ
لحمهُ, و ينشف دَمَهُ, ويَرُمُّ عظمه حتى يوم حشرهِ, فَنُشِرَ
من قبره حين ينفخ
في صورٍ, ويدعى بحشرٍ و نشور.
فثَّم بعثرت قبور, و حُصِّلت سريرة صدور, و جيءَ
بكل نبيٍّ و صدِّيق و شهيد, وتوَّحد لِلفَصْلِ قديرٌ بصير, فكم من
زَفْرةٍ
تُضنيهِ,وحسرةٍ تنضيهِ,في موقفٍ مهولٍ,و مشهدٍ جليلٍ, بين يدي ملك عظيمٍ, و بكل
صغيرٍ وكبيرٍ عليمٍ ,
فحينئذٍ يُلْجِمُهُ عرقهُ, ويُحصره قلقهُ, عبرته غير
مرحومةٍ, و صرخته غير مسموعةٍ, و حججهُ غير مقبولةٍ,
زالت جريدته, و نُشرت
صحيفتهُ, نظرَ في سوء عملهِ, و شهدت عليهِ عينهُ بنظرهِ, ويده ببطشهِ, ورجلهُ
بخطوهِ, وفرجهُ بلمسهِ, فسُلسِلَ جِيدَهُ, و غُلَّتْ يدهُ, و سيق فحسب وحدهُ,
فَوَرَدَ جهنَّم بكربٍّ وشدةٍ,
فظلَّ يعذبُ في جحيم, ويسقى شربةً من حميم, تشوي
وجهه, و تسلخ جلده ,و تضربه زبنيةٌ بمقمع من حديد
و يعود جلده بعد نُضجهِ كجلد
جديد, يستغيث فتعرض عنه خزنةُ جهنَّم, و يستصرخ فيلبثُ حقبةً يندم.
نعوذُ بربٍّ
قدير, من شرِّ كل مصير, و نسأله عفو من رضي عنه, ومغفرة من قبله , فهو وليُّ مسألتي
,ومنجحُ
طلبتي, فمن زحزح عن تعذيب ربِّهِ جُعِلَ في جنته بقربه, و خلد في قصور
مشيدة,ومُلكٍ بحورٍ عينٍ وحفدة,
و طيف عليه بكؤوسٍ , سكن في حظيرة قُدوس,و تقلب
في نعيمٍ, و سُقيَ من تسنيم , وشرب من عينٍ سلسبيل
و مزج له بزنجبيل,مُخَتَّمٍ
بمسكٍ,و عبيرٍ مستديم للملكِ, مستشعرٍ للسُّرُر, يشرب من خمورٍ في روضٍ
مغدِقٍ,
و ليس يُصَّدعُ من شربه, وليس يُنزفْ.
هذه منزلة من خاف ربه, و حذَّر
نفسه معصيته, وتلك عقوبة من جحد مشيئته, وسولت له نفسه معصيته, فهو
قولٌ فصلٌ,
وحكمٌ عدلٌ, وخبرٌ قصصٌ قُصَّ, ووعظٌّ نصَّ, (تنزيلٌ من حكيمٍ حميد) نزلَ بهِ روحُ
قدسٍ مبين, على
قلبٍ مهتدٍ رشيدٍ, صلَّت عليهِ رسلٌ سَفَرة,مكَّرَمونَ
بَرَرَة,عُذتُ بربٍّ عليمٍ, رحيمٍ كريمٍ, من شرِّ كلِّ عدوٍّ لعينٍ
رجيمٍ,
فليتضرَّع متضرِّعكم, وليبتهل مبتهلكم,و ليستغفر كُلُّ مربوبٍ منكم لي ولكم, وحسبي
ربِّي وحدهُ.....))